كان
قد جرى حوارشيّق ما بين الغضبان بن
القبعثرى و الاعرابي في طريق العودة من كرمان.
فلما قدم الغضبان على الحجاج، وقد
بلّغه الجاسوس ما جرى بينه وبين ابن الأشعث وبين الأعرابي قال له الحجاج: يا غضبان
كيف وجدت أرض كرمان؟
قال: اصلح الله الأمير، أرض يابسة،
الجيش بها ضعاف هزلاء، إن كثروا جاعوا، وإن قلوا ضاعوا.
فقال له الحجاج: ألست صاحب الكلمة التي بلغتني
أنك قلت لابن الأشعث: تغد بالحجاج قبل ان أن يتعشى بك؟ فوالله لأحبسنّك عن الوساد ولأنزلنك عن الجياد،
ولأشهرنك في البلاد.
قال: الأمان ايها الأمير، فوالله ما ضرت من قيلت
فيه، ولا نفعت من قيلت له.
فقال له: ألم أقل لك: كأني بصوت جلاجلك تجلجل في
قصري هذا. اذهبوا به إلى السجن.
فذهبوا به فقيد وسجن، فمكث ما شاء الله ثم إن
الحجاج ابتنى الخضراء بواسط، فأعجب بها، فقال لمن حوله: كيف ترون قبتي هذه وبناءها؟
فقالوا: أيها الأمير، إنها حصينة مباركة، منيعة
نضرة بهجة، قليل عيبها كثير خيرها.
قال: لِم لم تخبروني بنصح؟
قالوا: لا يصفها لك إلا الغضبان.
فبعث إلى الغضبان فأحضره وقال له: كيف ترى قبتي
هذه وبناءها؟
قال: اصلح الله الأمير، بنيتها في غير بلدك، لا
لك ولا لولدك، لا تدوم لك ولا يسكنها وارثك، ولا تبقى لك، وما انت لها بباق.
فقال الحجاج: قد صدق الغضبان ردوه إلى السجن.
فلما حملوه، قال: سبحان الذي سخر لنا هذا وما
كنا له مقرنين.
فقال: أنزلوه...
فلما أنزلوه قال: رب أنزلني منزلا مباركا وانت
خير المنزلين.
فقال: اضربوا به الأرض، فلما ضربوا به الأرض قال:
منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى.
فقال: جرّوه!
فأقبلوا يجرونه، وهو يقول: بسم الله مجراها
ومرساها إن ربي لغفور رحيم.
فقال الحجاج: ويلكم اتركوه، فقد غلبني دهاءً
وخبثاً،ً ثم عفا عنه، وانعم عليه وخلى سبيله.